الجمعة، 26 يوليو 2013

احــلام عــاجز ــ الجزء الثالـث



يقترب مني ...ينحني لينتشل الكيس من على الارض ... شاب ضخم قوي البنية ... تجسدت سيمات السخط والغضب في ملامح وجهه المتصدع ... عيناه الباهتتين بالكاد تظهران من خلف انفه البارز المسطح تحيط بهما هالات سوداء كالسد المنيع يحاول اخفاء جمالهما ... نظرت اليه نظرة كبرياء منكسر ... قابلها بابتسامة عذبة لم اكن اتوقعها منه ... ربط على كتفي في هدوء ثم ناولني الكيس ... ومضى الى حال سبيله يجر حذائه الجلدي في خطى متتثاقلة ... الى ان اختفى بين العامة ... لم يتسنى لي الوقت لاشكره ... امسكت بالكيس ودفعت بالكرسي قدما ... توجهت نحو عنبر الطلاب بحثا عن غرفتي ... بعد ان اخدت الرقم من السبورة المعلقة بالباحة ... لاجد نفسي تائها بين جموع الطلبة ... يتدافعون بين اروقة البناية بحثا عن غرفهم ... مضيت في البحث الى ان وقع بصري على رقمي ... اقتربت ببطئ وطرقت باب الغرفة ... ولكم اشتدت دهشتي عندما فتح الباب ... نعم انه نفسه من ناولني كيس الكتب عندما سقط مني قبل قليل في الباحة ... نظر الي تم زمجر بصوته الفج الغليظ :" ماذا هناك ايها الفتى ؟؟؟ تراك قد اضعت كتابا وخلتني قد سرقته ... اسمعني جيدا انا لست ..." قاطعته والخوف يسيطر علي :" لا ... لا ... كلما في الامر ان رقم غرفتي يوجد في هذا الجناح ... وبالضبط على باب غرفتك ...هدئ من روعك ارجوك " ... فجاة تغيرت ملامحه وتفجرت قهقهاته في المكان ثم قال :" ... اذا انت زميلي في الغرفة ... اعذرني ياصاح ان صرخت في وجهك" اجبته بعد ان احسست بغضبه قد تلاشى:" لا عليك ..."ّ
دخلت الى الغرفة والسعادة تغمرني ... لا اخفي عليكم انني لم ادري سبب تلك السعادة ... لربما لانني قد احسست بان هذا الفتى القابع هناك قد يصبح يوما صديقي ... كلمة لم احظى بمعناها قط في حياتي ...او لربما لانني قد وجدت اخيرا الغرفة ... دخلت وهممت بترتيب اغراضي في الخزانة ... بينما ظل هو جالسا على سريره ... اخرج علبة السجائر من جيبه وفتحها ثم سالني بنبرته الخشنة:" هل تريد ...؟؟؟" اجبته في استغراب شديد :" لا شكرا ...لكنني استغرب من حالك ... فاعذر فضولي ... لكنني اجد من الغرابة ان طالبا في كلية الطب يدخن ..." قاطعني والسخرية بادية على سحنته :" ومن قال لك انني قد اصبح يوما طبيبا ؟؟؟ ... " فجاة تتغير نبرة صوته ويتسلل الحزن الى ملامحه :" لطالما كنت دمية والدي ... سجين احلامه ... دخلت هذه الكلية وحلمي كان ان اصبح يوما فنانا تشكيليا ... قتلت احلامي ورغباتي في سبيل احياء احلام ورغبات والدي ... لطالما اعتبرني فاشلا ... سحقا لقد انجرفت كالعادة في الكلام عن مشاكلي ... اعذرني" ... يشعل سيجارته ويتجرعها في صمت ...لمحت في عينيه ضياعا موحشا بينما كان يحاول الظهور بمظهر القوي وطمس احزانه ... لم احاول معرفة المزيد عنه ... ولم احاول حتى مواساته
... ظل الحال على ماهو عليه ... نغوص في صمت رهيب بينما اوظب ملابسي في الخزانة ...قبل ان اتمتم :" في الحقيقة ... وددت كثيرا ان اشكرك على موقفك النبيل معي قبل قليل في الباحة ... " اجابني في هدوء :" لا تشكرني ايها الفتى ... فلو كنت مكاني لفعلت نفس الشيء معي ... " بالكاد تمتم بهذه الكلمات ثم عاد للغوص في صمته ... اخرج صورة رثة من جيبه وجعل ينساق معها في تركيز ... ظل ينظر اليها وعيناه تلمعان ... كطفل حالم ... فادركت انها لشخص عزيز على قلبه ...


"يتبع"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق